فقه زوجتك: حكم قراءة القرآن للحائض والنفساء ؟

  

المالكية منعوا ذلك


في أحوال وأجازوه في أخرى حسب اختلاف وسائل قراءة القرآن وأهدافها بناء على مصالح شرعية؛ ولهذا كان لا بد من توضيح الوسائل والأهداف أولا.

وسائل القراءة:

أما وسائل القراءة فهي ثلاثة: 

1- القراءةبالقلب واللسان مع مس المصحف.

2-  والقراءة بالقلب واللسان من غير مس المصحف.

3-  والقراءة بالقلب من غير تحريك اللسان ولا مس للمصحف بتمرير القرآن في الذهن (القراءة الذهنية).

أهداف القراءة:

أما أهداف القراءة فهي أربعة: 

1- قراءة التعلم والتعليم.

2- وقراءة التعبد والتقرب.

3- وقراءة الاستعاذة والتبرك.

4- وقراءة الاستدلال والاحتجاج.

الحكم:

وبناء على ما سبق فإن حكم قراءة القرآن في المذهب المالكي بالنسبة للمرأة التي فيها العادة الشهرية (الحيض) أو دم الولادة (النفاس) هو على نوعين:


النوع الأول: أثناء الحيض أو النفاس:

 حكم القراءة أثناء الحيض أو النفاس ينقسم إلى ثلاثة أقسام:


أولا: القراءة مع مس المصحف.

1- فإن كان من أجل قراءة التعبد، أو الاستعاذة، أو الاستدلال فلا يجوز؛ لما روى الإمام مالك، «أن في الكتاب الذي كتبه رسول اللهﷺ لعمرو بن حزم: أن لا يمس القرآن إلا طاهر»(11)، قال ابن عبد البر: "وأجمع فقهاء الأمصار الذين تدور عليهم الفتوى وعلى أصحابهم بأن المصحف لا يمسه إلا الطاهر"(12).

2- وإن كان من أجل قراءة التعلم جاز مس المصحف كاملا "على االمعتمد"(13)؛ قال ابن القاسم: "لا بأس أن تمسك الحائضُ اللوحَ تقرأ فيه وتكتب فيه القرآن على وجه التعليم"(14)؛ وذلك حتى لا تنسى ما تم حفظه من القرآن بسبب تكرر الحيض كل شهر، وبسبب طول دم النفاس وإن ندر تكرره(15)؛ قال رسول اللهﷺ: «تَعاهَدُوا هذا القرآن، فو الذي نفس محمد بيده لهو أشد تَفَلُّتاً من الإبل في عُقُلِها»(16). 


ثانيا: القراءة مما استظهرتْه من غير مس المصحف:

 تجوز مطلقا على المشهور؛ سواء كانت لغاية التعليم، أو التعبد، أو الاستعاذة، أو الاستدلال؛ لأنها لا تملك طهرها(17) ولا تستطيع أن تتطهر متى شاءت.


ثالثا: القراءة الذهنية بالقلب من غير تحريك اللسان ولا مس المصحف:

جائزة إجماعا؛ فلا مانع في ذلك للحائض والنفساء والجنب أيضا مطلقا؛ سواء كانت لغاية التعليم، أو التعبد، أو الاستعاذة، أو الاستدلال؛ إذ لا تُعَدُّ قراءة شرعا ولا تترتب عليها أحكام شرعية، ولا يصح الاكتفاء بها في الصلاة.  


النوع الثاني: بعد الطهر وذهاب الحيض أو النفاس وقبل الغسل: 

حكمها في هذه حكم الجنب؛ لأنها قد ملكت طهرها، ورفع حدثها بيدها، ولقدرتها على إزالة مانعها؛ فلا تجوز لها القراءة ولا مس المصحف من أجل التعبد، أو الاستعاذة، أو الاستدلال حتى تغتسل على المشهور؛ قال اللخمي: "واختلف قول مالك في قراءة الجنب القرآن، فالمشهور عنه المنع"

، وقال الإمام مالك: "ولقد حرَصْتُ أن أجد في قراءة الجنب القرآن رخصة فما وجدتُّها"(22)؛ فإذا انعدمت الرخصة من أجل القراءة فقط، فمن باب أولى وأحرى انعدامها في القراءة مع مس المصحف.

وأصله ما روى أصحاب السنن وابن حبان عن على بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: «كان رسول اللهﷺ يُقْرِئُنا القرآن على كل حال؛ ما لم يكن جُنُباً» وفي رواية: «إلا الجنابة» أو «ما خلا الجنابة» وفي أخرى: «ولم يكن يَحْجُبه من القرآن شيء؛ ليس الجنابة»(23)؛ قال ابن حجر: "صححه الترمذي وابن حبان وضعف بعضُهم بعضَ رُوَاتِه؛ والحق أنه من قبيل الحسن يصلح للحجة؛ لكن قيل: في الاستدلال به نظر؛ لأنه فعل مجرد فلا يدل على تحريم ما عداه"(24).

ونظرا لاحتمال أن يكون هذا الحديث ضعيفا سندا أو استدلالا قال المالكية بجواز قراءة الجنب الآيات اليسيرة استثناء على وجه الاستعاذة؛ مثل الدعاء عند الركوب، أو على وجه الاستدلال على حكم شرعي، لخفة ويسارة ما يستعاذ أو يستدل به؛ 

قال الإمام مالك: "ولا يقرأ الجنبُ القرآنَ؛ إلا الآية والآيتين عند أخذ مضجعه، أو يتعوذ لِارْتِيَاعٍ ونحوه، لا على جهة التلاوة". 

واختلفوا في مس الجنب ألواح القرآن من أجل قراءة التعلم والتعليم منعا وجوازا؛ قال الشيخ الدسوقي: "والمعتمد الجواز"(27)؛ وفي حكم الألواح الهاتفُ المحمول ولوحة (الطابليت) التي يتم تقليب الصفحات فيها بلمسة اليد حال اشتغالها والقرآن بارز في صفحتها، أما عند توقفها فلا تعتبر لوحة قرآن، وأخف منها الحاسوب الذي تقلب صفحاته بالفأرة؛ ورغم ذلك لا يجوز الدخول بها للكنف؛ "إكراما للقرآن وتعظيما له"(28). 


الخلاصة:

 عند المالكية؛ قراءة الحائض للقرآن مع مس المصحف لا يجوز إلا من أجل التعليم، واختلفوا في مس ألواح القرآن فيما بين انتهاء الحيض وقبل الاغتسال والمعتمد الجواز؛ لأنها حينئذ في حكم الجنب، ويقاس على الألواح الهاتف المحمول حال اشتغاله. 
وأما القراءة من غير مس المصحف فتجوز مطلقا على المشهور. وأما القراءة الذهنية من غير تحريك لسان ولا مس مصحف فتجوز مطلقا بالإجماع. 
وعند جمهور الحنفية والشافعية والحنابلة لا يجوز للحائض قراءة القرآن مطلقا؛ بمس المصحف أو بغيره، وعند الظاهرية يجوز لها ذلك مطلقا(29)؛ فمذهب الجمهور أحوط ومذهب المالكية أوسط ومذهب الظاهرية أفرط(30). 
والله أعلم وهو سبحانه الموفق للصواب

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهامــــــــــــــــــش 

(1) [الواقعة: 80 - 82].

(2) أحكام القرآن لابن العربي: (1/189).

(3) تفسير القرطبي: (17/225).

(4) أحكام القرآن لابن العربي: (4/175).

(5) [عبس: 11 - 16].

(6) الموطأ لمالك: كتاب القرآن: باب الأمر بالوضوء لمن مس القرآن.

(7) أحكام القرآن لابن العربي: (4/175).

(8) المبسوط للسرخسي: (3/152)، والمجموع للنووي: (2/72 و358)، والمغني لابن قدامة: (1/108).

(9) الاستذكار لابن عبد البر: (2/473).

(10) المحلى بالآثار لابن حزم: (1/ 94- 99).

(11) الموطأ لمالك: كتاب القرآن: باب الأمر بالوضوء لمن مس القرآن.

(12) الاستذكار لابن عبد البر: (2/472).

(13) الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي: (1/126).

(14) النوادر والزيادات لابن أبي زيد: (1/123)، والبيان والتحصيل لابن رشد: (1/213).

(15) التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب للشيخ خليل: (1/255).

(16) أخرجه الشيخان عن أبي موسى -رضي الله عنه-؛ البخاري: كتاب فضائل القرآن: باب استذكار القرآن وتعاهده: (رقم5033)، ومسلم: كتاب صلاة المسافرين: باب الأمر بتعهد القرآن/ (رقم791).

(17) الجامع لابن يونس: (2/695)، ومناهج التحصيل للجرجانب: (1/175)، والتوضيح لخليل: ( 1/252 و253)، والتاج والإكليل شرح مختصر خليل للمواق: (1/462).

(18) نقله البرزلي في فتاوه (2/114) عن أبي عمران الفاسي، وعليش في منح الجليل (1/131) عن يوسف ابن عمر الأنفاسي الفاسي. 

(19) التوضيح للشيخ خليل: (1/351)، وحاشية العدوي على شرح الخرشي: (1/173).

(20) الجامع لابن يونس: (2/695)، والتاج والإكليل شرح مختصر خليل للمواق: (1/462 و463)، وشرح مختصر خليل للخرشي: (1/161)، والشرح الكبير للشيخ الدردير: (1/126).

(21) التبصرة للخمي: (1/217)، وشرح التلقين للمازري: (1/332).

(22) النوادر والزيادات لابن أبي زيد: (1/124). 

(23) سنن أبي داود: كتاب الطهارة: باب في الجنب يقرأ القرآن: (رقم229)، وسنن الترمذي: كتاب الطهارة: باب في الرجل يقرأ القرآن على كل حال ما لم يكن جنباً: (رقم146)، وسنن النسائي: كتاب الطهارة: باب حجب الجنب من قراءة القرآن: (رقم: 265 و266)، وسنن ابن ماجه: كتاب الطهارة: باب ما جاء في قراءة القرآن على غير طهارة: (رقم594)، وصحيح ابن حبان: (3/79): (رقم799).

(24) فتح الباري لابن حجر: (1/408).

(25) المعونة للقاضي عبد الوهاب: (1/162)، ومنح الجليل شرح مختصر خليل لعليش: (1/131).

(26) الجامع لابن يونس: (2/695)، والتاج والإكليل شرح مختصر خليل للمواق: (1/462).

(27) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير: (1/126).

(28) من كلام الإمام مالك في الموطأ: كتاب القرآن: باب الأمر بالوضوء لمن مس القرآن.

(29) ينظر: مختصر القدوري الحنفي: (ص: 19)، والمهذب للشيرازي الشافعي: (1/76)، والمغني لابن قدامة الحنبلي: (1/106)، والمحلى لابن حزم الظاهري: (1/96).

(30) من فرَط عليه في القول يفرط: أسرف؛ وفي التنزيل العزيز: {إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى} [طه:44]. لسان العرب لابن منظور: (7/368).


خادمكم عبد الله بنطاهر التناني السوسي

مسجد الإمام البخاري مدينة أكادير إداوتنان جنوب المغرب 

يوم الثلاثاء 4 رمضان 1441هـ 28 / 4 / 2020م.

سواء السبيل

سواء السبيل مدونة لتقديم المعلومة الدينية والثقافة الفقهية المالكية بطريقة سهلة ومبسطة وموثقة.

إرسال تعليق

Please Select Embedded Mode To Show The Comment System.*

أحدث أقدم

نموذج الاتصال