(بعض أسباب هلاك قوم نوح الكافرين)
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
شعبان 1443 ه/ مارس 2022
مقدمة:
إنَّ نوحاً عليه السلام جاء في نهاية الحضارة الإنسانية الأولى، والتي بدأت من آدم عليه السلام، ثم انحرفت عن التوحيد وإفراد العبادة للخالق العظيم، وتطورت الحياة الإنسانية على وجه الأرض في قضاياها المادية، وضعفت وأخطأت السبيل في قيمها الروحية ومعرفتها يخالقها العظيم، فأرسل الله عز وجل نوحاً عليه السلام، فأقام على الكافرين والظالمين والفاسقين والمعاندين الحجة، ومضت سنة الله في زوالهم واستئصالهم، وآمن معه القليل الذين أنشأ بهم حضارة السلام والبركات بعد الطوفان. وإن من أسباب زوال ونهاية الحضارة الإنسانية الأولى عوامل عديدة من أهمها:
1. الكفر بالله عز وجل:
إنَّ من أهم أسباب العقاب الإلهي وهلاك الحضارة الإنسانية الأولى بالطوفان العظيم، الكفر بالله، وأصل الكفر في اللغة: الستر والتغطية، وقد سمي الكافر كافراً لأنه غطى بكفره ما يجب أن يكون عليه من الإيمان، والكفر ضد الغيمان الذي هو التصديق والاعتقاد والإقرار بوحدانية الله وبربوبيته والوهيته، والإيمان بالملائكة وشريعة الله ورسالة نوح عليه السلام واليوم الآخر وبالقضاء والقدر خيره وشره من الله.
وقد رفض قوم نوح دعوة نوح للتوحيد ورسالات الله، وكفروا بها وحاربوها ووصفهم الله بالكفر كما مر معنا في قوله تعالى: ﴿فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَىٰ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ﴾ [هود: 27].
إنَّ وصف نهاية الحضارة الأولى التي عاشها قوم نوح بالكفر يعني انها في تلك الفترة التاريخية من تاريخ الإنسانية كانت منفصلة عن الدين ومتحررة من تكاليف الإيمان بالله وشرعه، وهذا يفضي بها على انحلال الأخلاق وانحطاطها، وهذا ما حدث لها من حالة الشقاء والتعاسة التي كان يعيشها قوم نوح عليه السلام من بُعدهم عن هدايات السماء.
وإنَّ الجنوح المادي الذي طالما تميزت به قوى الكفر منذ فجر التاريخ وحتى وقتنا الراهن كضرورة من ضرورات التصاقها بالأرض ورفضها أي إيمان بالغيب أو المثل العليا، لا يمثل تعبيراً عن السعادة بمفهومها الشامل، بل على العكس فإن هذا الجنوح يمثل نقضاً كبيراً وانحرافاً خطيراً في تجربة يملأ خلاياها وشرايينها بالتعاسة والشقاء.(1) ومهما يكن من أمر فإن الحضارة – أية حضارة – محكومة بالسنن الإلهية، وهذه السنن في المجال الحضاري على نوعين:
- سنن جزئية تتعلق بعالم الشهادة، وهي سنن تعطي كل من يوظفها على قدر سعيه ولا تفرق بين مؤمن وكافر.
- سنن كلية حاكمة على هذه السنن الجزئية، وهي سنة الإيمان بالله تعالى وتوحيده، وهي التي تحدد مصير الحضارات، نمواً وسقوطاً، وتعتبر جميع عوامل سقوط الحضارات تبعاً لهذا العامل، أي غياب الإيمان بالله وتوحيده. (2)
فقوم نوح مضت فيهم سنة الله، بأسباب عديدة منها: الكفر بالله عز وجل فكانت واقعة الطوفان العظيم والتي تعدُّ من أبرز الحوادث التاريخية وقعاً في النفس الإنسانية، حيث إنها من أقصى العقوبات التي عاقب الله بها الكفار.(3)
2. الشرك بالله:
من المعلوم أن التوحيد هو الأصل في حياة الإنسان، وهو الذي صنع الحضارة الإنسانية مع بداية خلق الله لأبينا آدم عليه السلام، ولكن في نهاية عهد الحضارة الإنسانية الأولى وفي عهد قوم نوح فشا فيهم الشرك، وبدأ بهم الانحراف عن دين التوحيد، كما جاء في حديث ابن عباس: كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام ، (4)وقد استدرجهم الشيطان إلى الشرك، حيث زين لهم وجوب تعظيم رجال صالحين منهم من موتاهم، ووسوس لهم أن ينصبوا إلى مجالسهم التي يجلسون إليها أنصاباً " تماثيل " على هيئة أولئك الصالحين، تخليداً لذكراهم وسموها بأسمائهم، وجاء آخرون من قوم نوح فوسوس إليهم الشيطان أن من كان قبلكم كانوا يعبدون هذه الأصنام فعبدوها.(5)
وقد بينا في هذا الكتاب محاورة نوح عليه السلام إياهم واستعماله كافة أساليب الإقناع في سبيل دعوتهم إلى التوحيد ونبذ الشرك، وقد مضى فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً يدعوهم إلى الله عز وجل وكان نوح عليه السلام كلما أعرض قومه عن دعوته غيّ وبدل أسلوبه فإذا اعرضوا عن الدعوة العلنية عاد ليبلغهم الدعوة بصورة سرية، ولكن مع ذلك لم تلن قلوبهم لدعوته، إذ ران عليها حب الأوثان وعبادتها.(6)
لقد كان قوم نوح هم أول مشركين في تاريخ الحضارات الإنسانية، وبهم بدأ الانحراف، وكانوا متوغلين في الشرك راسخين في العناد، وسجل القرآن عليهم موقفهم النهائي من الشرك وعبادة الأصنام بعد المواعظ البليغة والنصائح الغالية التي بذلها لهم نوح عليه السلام قال تعالى: ﴿وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا﴾ [نوح: 23]. وهذا الموقف ليس مجرد شرك وإصرار عليه بل هو تواص به، وتناصح بالإقامة عليه وتحذير من تركه.(7)
وفي موقف من مواقف الثقة بالله والتوكل عليه يبين نوح عليه السلام عجز أصنامهم وضعفها، فتحداهم جميعاً هم وأصنامهم التي زعموا أنها آلهة تنفع وتضر، وتحداهم أن يسعوا في الكيد له والإصرار به ما أمكنهم ذلك، فلو كانت تلك الأصنام آلهة حقاً لانتقمت منه وأهلكته بما شنع عليها وذمها، قال تعالى: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنظِرُونِ﴾ [يونس: 71]، ولم تفعل اصنامهم شيئاً، وأنى لها ذلك؟ وهي جمادات لا إدراك لديها فضلاً عن جلب نفع أو دفع ضر، والقوم بعد هذه الحجج وهذا التحدي لم يقارعوا الحجة بالحجة والبرهان بالبرهان، بل أعلنوا تبرمهم من الحجج التي يأتي بها نوح عليه السلام، وأغلقوا باب المحاورة والمجادلة وطلبوا نزول العذاب، قال تعالى: ﴿قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ [هود: 32]، إنه عناد ما بعده عناد، وكل ذلك من أجل أصنام صنعوها بأيديهم وسموها آلهة بغير سلطان أتاهم.(8) وفي النهاية قضى الله تعالى بهلاك المشركين، وهي سنة فيمن أشرك به وحادّ رسوله، وانهدت أركان وقواعد شركهم بالطوفان العظيم.
3. الظلم:
يعدُّ الظلم من اكبر عوامل سقوط الحضارات، وله مفهوم شامل عريض، يؤدي إلى فقدان التوازن في كافة مجالات الحياة وعلاقة الإنسان مع نفسه ومع الله ومع غيره، وعن هذا تنبثق ظواهر نفسية واجتماعية واقتصادية مرضية، وتصورات فاسدة عن الوجود كله، فيعم الفساد الحياة الإنسانية بأسرها،(9) قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ﴾ [هود: 117]، وقال تعالى: ﴿وَكَذَٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾ [هود: 102].
وقد تكرر وصف قوم نوح بالظلم في القرآن الكريم مرات عديدة:
- قال تعالى: ﴿أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [التوبة: 70].
- قال تعالى: ﴿ وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى ﴾ [النجم: 52]، أي أكثر ظلماً وطغياناً من عاد وثمود.(10) وقال تعالى: ﴿فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ﴾ [العنكبوت: 14]. وقال تعالى: ﴿وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ﴾ [هود: 37]. وفي قوله تعالى: ﴿وَقِيلَ بُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [هود 44].
إنَّ قوم نوح عليه السلام استفحل فيهم الظلم وأصبح ظاهرة على مستوى المجتمع، وارتكبوه بكل أنواعه، واستمروا على ذلك إلى أن نزل بهم العقاب الرباني" فأخذهم الطوفان وهم ظالمون " وقال تعالى: ﴿وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ﴾ [الأنبياء: 11].
وإنَّ الإهلاك بسبب الظلم سنة من سنن الله في سقوط الحضارة الإنسانية الأولى وإبادة مدنيتها المتخلفة عن نور الوحي، وإزالة سلطان الملأ الذي يمثل القيادة السياسية والاجتماعية والفكرية في تلك الحقبة من تاريخ البشر.
4. تكذيب الرسول الكريم نوح عليه السلام:
وردت آيات كثيرة تدل على أن تكذيب الرسل كان سبباً في هلاك الأمم السابقة، وهذه الآيات واضحة الدلالة وصريحة في العلاقة بين تكذيب الرسل وبين ما حاق بهم من الهلاك والدمار.(11)
قال تعالى: ﴿وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ * وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ* وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَىٰ فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ﴾ [الحج: 42 - 44].
وهذه الآيات ونظائرها وردت في سياق تسلية النبي ﷺ عما يلاقيه من قومه من التكذيب والإعراض، فالله سبحانه وتعالى يقص على نبيه قصص المكذبين من الأمم السابقة وما واجهوا به رسلهم من التكذيب وما صار إليه أمرهم من الهلاك، وفي ذلك تخفيف عليهﷺ عما يجد في نفسه من الألم والأسى بسبب تكذيب هؤلاء الكفرة، فهو ليس بدعاً من الرسل في التكذيب، بل كُذِّب قبله رسلٌ، وفيه إنذار وتحذير للمكذبين من قومه من أن يكون مصيرهم كمصير أسلافهم الذين كذبوا رسلهم فأخذهم الله بعاجل العذاب.(12) ومن نظائر هذه الآيات:
- قوله تعالى: ﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ* وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ أُولَٰئِكَ الْأَحْزَابُ* إِن كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ﴾ [ص: 12، 14]. قال ابن كثير: فجعل علة هلاكهم هو تكذيبهم بالرسل.
- ومنها قول الله تعالى: ﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ* وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ* وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ﴾ [ق: 12، 14].
- وقال تعالى: ﴿مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ* كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِن بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ﴾ [غافر: 4،5].
وهذه الآيات كما ترى تتحدث عن هلاك جميع الأمم بسبب ما أقدموا عليه من تكذيب رسلهم، وهناك صنف آخر من الآيات تدل على المعنى ذاته غير أنها تتحدث عن مسلك أمة معينة في تكذيب رسولها وهلاكها بسب ذلك.
وتكذيب الرسل هو: نسبتهم إلى الكذب أو إلى ما يقتضي ذلك في ذكر صور التكذيب، وهو من اكبر الجرائم وأعظم الشنائع التي ارتكبتها الأمم السابقة واستحقوا بها الهلاك، وعلى رأس تلك الأمم قوم نوح عليه السلام، فقد كان أصدق الناس لهجة وأنقاهم سريرة، اتصف بالأمانة، مؤيد بالوحي الإلهي والآيات والدلائل، وما اختاره الله لرسالته إلا لعلمه بأهليته لها، وهو الذي لا تخفى عليه خافية، وهو أعلم حيث يجعل رسالته. (13)
ولعظم جرم تكذيب الرسل وشناعته جعل القرآن الكريم من كذب رسولاً واحداً مكذباً لجميع الرسل، قال تعالى: ﴿وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ [الفرقان: 37]، بيَّنت الآية أنهم أهلكوا بالغرق؛ بسبب تكذيبهم الرسل، مع أن الله لم يرسل إليهم غير نوح عليه السلام، وذلك لأن تكذيب رسول واحد تكذيب لجميع الرسل، سابقهم ولاحقهم، لاتفاق كلمتهم على التوحيد وهو أساس رسالتهم فلا فرق بين نوح وغيره من الرسل من حيث وجوب الإيمان به، ولو فرض أن الله سبحانه وتعالى أرسل إلى هؤلاء كل رسول فإنهم كانوا سيكذبونه كما كذبوا نوحاً، وفي هذا إبراز لعظم كفرهم وإظهار لفظاعة جرمهم.(14)
ولهذا قال تعالى: ﴿وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾ [الفرقان: 37]، وقال تعالى: ﴿فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ﴾ [الأعراف: 215]، وقال تعالى: ﴿فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ﴾ [يونس: 73]، والآيتان الأخيرتان ختمت بهما قصة نوح عليه السلام في سورتي الأعراف ويونس لبيان استمرارهم وإصرارهم على تكذيب نوح حين مشارفتهم الهلاك. (15)
ومع هذه القصة الطويلة من التكذيب والعناد وردّ الحجج والآيات، يأتي قوم نوح يوم القيامة فينكرون أن يكون نوح أو غيره جاءهم بنذارة، ويرومون من وراء ذلك نفي قيام الحجة عليهم طمعاً في النجاة من العذاب، وأنى لهم ذلك والشهود العدول حضور؟
روى الإمام البخاري بسنده عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول اللهﷺ: يجيء نوح وأمته فيقول الله تعالى: هل بلغت؟ فيقول نعم أي رب، فيقول لأمته: هل بلغكم؟ فيقولون: لا، ما جاءنا من نبي، فيقول لنوح: من يشهد لك؟ فيقول: محمد ﷺ وأمته، فنشهد له أنه قد بلغ، وهو قوله جل ذِكره: ﴿وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ﴾ [البقرة: 143].(16)
_____________
مراجع :
(1)عبد الله محمد الأمين، الرؤية الإسلامية والمسألة الحضارية دراسة مقارنة، ص 103.
(2) المرجع نفسه، ص 103.
(3) وفاء محمد سعيد، فقه السنن الإلهية، ص 169.
(4) أخرجه الحاكم في المستدرك، 2/442.
(5) صحيح البخاري، كتاب التفسير، 2/442.
(6) محمد أمحزون، السنن الاجتماعية في القرآن الكريم وعملها في الأمم والدول، 3/385.
(7)سعيد محمد بابا سيلا، أسباب هلاك الأمم السالفة، ص 128.
(8)سيلا، المرجع السابق، ص 128.
(9) محمد هيشور، المرجع السابق، ص 23. والظلم: لفظ عام في وضع الشيء في غير موضعه، يشمل الشرك وغيره من المعاصي، إلا أن الشرك أعلى أصناف الظلم، ولا ظلم أعظم منه، بالإمكان مراجعة: محمد أمحزون، السنن الاجتماعية في القرآن الكريم وعملها في الأمم والدول، 3/389.
(10) الميداني، نوح عليه السلام وقومه في القرآن المجيد، المرجع السابق، ص 24.
(11) سعيد سيلا، المرجع السابق، ص 192.
(12) سيلا، المرجع السابق، ص 192.
(13) سيلا، المرجع السابق، ص 194.
(14) المرجع نفسه، ص 195.
(15) سعيد محمد بابا سيلا، أسباب هلاك الأمم السالفة، ص 217.
(16) صحيح البخاري، كتاب بدء الخلق، 4/105.
