الصلاة بين الأساطين(السواري)

 القول المبين بحكم الصلاة بين الأساطين



وردني السؤال التالي: 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، سيدي الغالي:

هناك مسألة شغلت الكثير لتضارب الأقوال والأحاديث فيها، ألا وهي مسألة الصلاة بين السواري فمن مجيز لا يرى بأساً، ومن كاره لذلك، ومن محرم معنت على المصلين وما أكثرهم ، فهل هناك تفصيل للمسألة وبيان للأحاديث فيها يجمع شتاتها ويصل بالمنصف الى بر الأمان. وجزاكم الله خير الجزاء.


فأجبتُ بما نصه: 


الحمد لله حمداً يليق بذاته العلية، والصلاة والسلام على سيد الثقلين ذي الشمائل الجلية، والآل والأصحاب ومَنْ سار على مناهجهم السويَّة، وبعد:


فقد كان في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أساطين (سواري) من جذوع النخل وسقائفه من جريده، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يصلون إلى هذه السواري ويتخذوها سترة في صلاتهم.


ففي صحيح مسلم من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أنهم كانوا بالمدينة إذا أذن المؤذن لصلاة المغرب ابتدروا السواري.


وفي المعجم الأوسط بلفظ: (كان الناس إذا نودي لصلاة المغرب ابتدروا الأساطين).


وأما الصلاة بين الأساطين (السواري) فقد ورد فيها آثارٌ: 


أولها: ما رواه الإمام الطبراني في معجمه الكبير عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (لَا تَصْطَفُّوا بَيْنَ الْأَسَاطِينِ، وَلَا تُصَلِّ وَبَيْنَ يَدَيْكَ قَوْمٌ يَمُرُّونَ). وهو في مصنف عبد الرزاق الصنعاني بلفظ: (لَا تَصْطَفُّوا بَيْنَ الْأَسَاطِينِ، وَلَا تُصَلِّ وَبَيْنَ يَدَيْكَ قَوْمٌ يَمْتَرُونَ أَوْ قَالَ: يَلْغُونَ).

وبيَّن سيدنا ابن مسعود رضي الله عنه سبب الكراهة، فقال فيما رواه الطبراني في معجمه الكبير: (إنما كرهت الصلاة بين الأساطين للواحد والاثنين).

قال الإمام الهيثمي في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: (رَوَاهُ وَالَّذِي قَبْلَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ).


ثانيها: وهو عُمْدةٌ في النهي عن الصلاة بين السواري حديث أنس رضي الله عنه، وقد رواه الإمام أحمد في مسنده، وأبو داود والترمذي والنسائي في سننهم، وابن خزيمة في صحيحه، وكلهم يرويه بسنده إلى عبد الحميد بن محمود، مع اختلاف يسير في ألفاظه عندهم:


فعند أحمد بلفظ: (صلَّيت مع أنس بن مالك يومَ الجُمُعة، فدُفِعْنا إلى السَّواري فتَقَدَّمْنا أو تأخَّرْنا، فقال أنسٌ: كُنَا نتَقي هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم).


ولفظه عند ابن خزيمة في صحيحه: (صَلَّيْتُ إِلَى جَنْبِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فَزَحَمَنَا إِلَى السَّوَارِي، فَقَالَ: كُنَّا نَتَّقِي هَذَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ).


ولفظ الترمذي: (صلينا خلف أمير من الأمراء، فاضطرنا الناس فصلينا بين الساريتين فلما صلينا، قال أنس بن مالك: كنا نتقي هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم). 


ولفظ النسائي في السنن الكبرى: (كنا مع أنس فصلينا مع أمير من الأمراء، فدفعونا حتى قمنا بين الساريتين فجعل أنس يتأخر ...).


وعند ابن ماجه في سننه، والبزار في مسنده، وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما، والطبراني في معجمه الكبير، والحاكم في المستدرك عن معاوية بن قرة عن أبيه، قال: (كنا نُنهى أن نصف بين السواري على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونطرد عنها طردا). وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.


فهذا ما يتعلق بجانب (الرواية)، وأما ما يتعلق بجانب (الدراية): 


فإن المسألة دائرةٌ بين الجواز مع الكراهة أو الجواز بدونها:


قال الإمام الترمذي في سننه: (وقد كره قوم من أهل العلم: أن يصف بين السواري، وبه يقول أحمد، وإسحاق، وقد رخص قوم من أهل العلم في ذلك).


وروى الإمام ابن أبي شيبة في مصنفه الكراهة عن حذيفة وإبراهيم، وروى في المقابل عن الحسن أنه كان لا يرى بأسا في الصف بين السواري.


وقال الإمام البيهقي في السنن الكبرى: (وهذا والله أعلم، لأن الأسطوانة تحول بينهم وبين وصل الصف، فإن كان منفردا أو لم يجاوزوا ما بين الساريتين لم يكره إن شاء الله تعالى، لما روينا في الحديث الثابت عن ابن عمر قال: سألت بلالا: أين صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني في الكعبة؟ فقال: " بين العمودين المقدمين).


وقال الإمام ابن بطال المالكي في شرح صحيح البخاري: (اختلف السلف في الصلاة بين السواري، فأجازه جماعة وكرهه جماعة ...).


وقال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم: (وأما الصلاة بين الأساطين فلا كراهة فيها عندنا واختلف قول مالك في كراهتها إذا لم يكن عذر وسبب الكراهة عنده أنه يقطع الصف ولأنه يصلي إلى غير جدار).


وقال الإمام ابن رجب الحنبلي في فتح الباري شرح صحيح البخاري: (وإنما يكره ذلك لصف تقطعه السواري، فلو صلى اثنان أو ثلاثة جماعة بين ساريتين لم يكره أيضا، هذا قول أصحابنا وأصحاب الشافعي وغيرهم من العلماء. وعلى مثل ذلك حملوا ما ورد من النهي عنه مرفوعا، وموقوفا). وسبق عن الإمام النووي أن مذهب الشافعية عدم الكراهة.


وقال مالك كما في المدونة: (لَا بَأْسَ بِالصُّفُوفِ بَيْنَ الْأَسَاطِينِ إذَا ضَاقَ الْمَسْجِدُ)، وقال الإمام القرافي المالكي في الذخيرة: (وكراهيته إما لتقطيع الصفوف أو لأنه مظنة النجاسة). ونص على كراهة الصلاة بين الأساطين لغير ضرورة خليل وشراحه كما في الشرح الكبير وغيره. 


وخلاصة القول:

 أن الآثار الناهية عن الصلاة بين السواري محمولة عند بعض أئمة الدين على الكراهة لما يترتب على الصلاة بين السواري من انقطاع الصف، وهذا عند اتساع المسجد وعدم الازدحام، وذهب طائفةٌ من أئمة الدين إلى عدم الكراهة أخذاً بما ورد من صلاته صلى الله عليه وسلم بين السواري، وأنَّ المنعَ منها إنما هو اجتهاد لبعض الصحابة، فتبقى المسألة في حدودها، ولا ينبغي التشديد فيها على الناس، أو الإنكار على من أخذ فيها بأي القولين. والله أعلم


كتبه/ الفقير إلى عفو الله 

سيف بن علي العصري غفر الله له ولوالديه

الثلاثاء  3/5/1435 الموافق 04/03/2014 


والله أعلم

سواء السبيل

سواء السبيل مدونة لتقديم المعلومة الدينية والثقافة الفقهية المالكية بطريقة سهلة ومبسطة وموثقة.

إرسال تعليق

Please Select Embedded Mode To Show The Comment System.*

أحدث أقدم

نموذج الاتصال