خصائص النفس البشرية من خلال القرآن الكريم

 

بسم الله الرحمن الرحيم

عنوان الدرس:

خصائص النفس البشرية من خلال القرآن الكريم

خصائص النفس


تمهيد:

إن اصلاح النفوس والسعي إلى تزكيتها وتنقيتها والارتقاء بها إلى مدارج الكمال الإيماني وسلم السمو الأخلاقي والسلوكي من أهم ما ينبغي أن يسعى إلى تحقيقه المربون وينتبه إلى أهميته المصلحون، إذ أن القيام بهذه المهمة عنوان الفلاح ومفتاح النصر والسبيل نحو العزة والريادة والنصر.

ويقال: أن من عرف نفسه عرف ربه[1].

فماهي هذه النفس؟ وما أنواعها؟ وما خصائصها؟

وللإجابة عن هذه الأسئلة ننطلق من قوله تعالى: {وفي أنفسكم أفلا تبصرون}. الذاريات، الاية: -21.

فالله سبحانه وتعالى يدعونا من خلال هذه الاية وغيرها من الآيات إلى التفكر والتدبر في ماهية النفس ومعرفة اسرارها وتقلبها من حال إلى حال وما جبلت عليه من القوى والإرادات، لأن التفكر وظيفة في غاية الأهمية بالنسبة للمؤمن لكي يزداد ايمانا ويقينا، ولأن هذه المعرفة تساعد الانسان على ضبط أهوائه وإبعاد نفسه عن الانحراف، وتوجيهها إلى العمل الصالح.

 

وعلى إثر ما سبق سنتناول هذا الموضوع من خلال العناصر التالية:

العنصر الأول: معنى النفس وأنواعها من خلال القرآن الكريم.

العنصر الثاني: خصاص النفس البشرية من خلال القرآن الكريم.

 

العنصر الأول: تعريف النفس وأنواعها .

أولا: تعريف النفس:

لقد وردت النفس في القرآن الكريم في مواضع عديدة، وبمعاني مختلفة بحسب سياق الآيات الكريمة الواردة فيها، ومن هذه المعاني:

أ‌-      النفس بمعنى الروح: قال تعالى:{الله يتوفى الانفس حين موتها} (الزمر42). والمقصود الأرواح[2]. ومنه قوله تعالى: {أخرجوا أنفسكم} الأنعام 93. أي أرواحكم.

ب‌- النفس بمعنى الإنسان: أي الشخصية البشرية بكامل هيئتها، وهذا غالب في القرآن الكريم، فمن ذلك قوله تعالى مخاطبا الناس عامة وبني إسرائيل خاصة:{ واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يوخذ منها عدل ولا هم ينصرون}(البقرة 48). وقد شاع استعمال النفس في الإنسان خاصة حيث تطلق ويراد بها هذا المركب والجملة المشتملة على الجسم والروح.

ج-   النفس بمعنى العقل: كما في قوله تعالى: {تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك} (المائدة 116). يقول ابن عاشور في تفسيره: ...تعلم ما أعتقده أي تعلم ما أعلمه، لأن النفس مقر العلوم في المتعارف.

هذه أهم معاني الروح في القرآن الكريم ومن خلالها يتبين أن القرآن يخاطب الانسان في ذات نفسه باعتبار ان النفس هي القوة المدركة فيه[3].

ثانيا: أنواع النفس في القرآن الكريم:

النوع الأول: النفس الأمارة بالسوء:

كما في قوله تعالى {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي} [يوسف: 53]، وهي النفس التي تحث وتحض على فعل السـوء، وتزينه في عين صاحبها حتى يظن أن فيه سعادته الحقيقية وما يعلم أن فيه شقاؤه.

النوع الثاني: النفس اللوامة:

وهي التي كلما وقع العبد في محظور لامته عليه حتى يُســارع بالتوبة والاستغفـار، قال تعالى {وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ} [القيامة: 2].

النوع الثالث: النفس المطمئنة، وهي الهدف الأسمى:

قال تعالى: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30)} [الفجر: 27- 30].

هي نفسٌ قد لجأت إلى الله تعالى واطمأنت إليه ورضيت عنه، فأثابها الكريـــم سبحانه بأبلغ ثواب وأجزل عطاء بما تُغْبَط عليه في الدنيا والآخرة.

العنصر الثاني: خصائص النقس في القران الكريم:

إن المتأمل بالآيات القرآنية الكريمة يجد أن النفس الإنسانية قد اتصفت بالخصائص التالية:

1-   النفس مفطورة على معرفة الله(الفطرة):

وهو ما يسمى بالشعور الديني الفطري في الإنسان، قال تعالى:{ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ} (الروم 30).

2-  النفس شديدة الحرص على الخير وجزوعة من الضر:

فالإنسان يطلب الخير دائمًا، فإن أعطاه الله بطر وتعالى على الآخرين، حتى إذا مسه ضر قليل ضعف وتخاذل، ثم لا يلبث بعد كشف الضر أن يعود إلى استعلائه وغروره، حتى يصل به الحال إلى التوهم في هذه الدنيا، قال تعالى {لا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ} [فصلت: 49].

وقال تعالى: {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ} [المعارج: 19 - 22].

3-  العجلة والتسرع:

إن العجلة والتسرع دون تمحيص للأمور هو طبع متأصل في النفس الإنسانية، قال تعالى: {خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ} [الأنبياء: 37]، إن الإنسان يريد من الله أن يهبه الخير، وبأسرع ما يمكن، ويبدو عليه القلق إزاء أي تأخير في ذلك.

4-  التمرد والمكابرة والعناد:

إن الإنسان ليتعامى عن الحق، ويتجاهل الأدلة الدافعة على وجوده تعالى، ومع أن الكافر يصل في قرارة نفسه إلى صدق الحق إلا أنه يأبى أن يتراجع عن عناده وخصومته لهذه الدعوة. قال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ} (يس 77).

وقال تعلى:{ وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} [النمل: 14].

5-  شدة الحرص والتكالب على جمع المال:

لقد زرع سبحانه وتعالى في النفس الإنسانية حب المال والحرص على جمعه في قوله تعالى: {وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا (19) وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا (20)} [الفجر: 19، 20].

6-  الشح والبخل:

الشح والبخل من صفات الإنسان التي وردت في القرآن الكريم وهي صفة تقوى وتشتد كلما ضعف إيمان الإنسان بخالقه تعالى، وضعف اعتماده عليه في طلب رزقه، قال تعالى: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9].

ومن خصائصها أيضا:

أن أحكامها عاطفية تبعًا لانفعالاتها، وأنها ميالة للشهوات والمتع والاستمتاع، والتقلب والتطرف والميل والخروج عن حد الاعتدال، وأن فيها معرفة الخير والشر كما قال سبحانه:{ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس: 7 - 10]، فالإنسان ألهم فطرة معرفة الخير، كما ألهم معرفة الشر، قال تعالى: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد: 10].

خاتمة:

إن من أولى أولويات العبد تجاه نفسه أن يعي هذه النفس كما يصورها خالقها، وإلا فأي نفس تلك التي يحملها إن لم يعيها من وجهة نظر خالقها وفاطرها، فالواجب التعامل معها كأرض تزرع وتغرس لتلقي تعاليم الله فيكون أزكى غرس وأطيب محصول، والاحاطة بخصائصها  والاعتدال في شهواتها، ليكون الفوز في الدنيا وفي الأخرى، ، فالنفس روح وجسد، فيها من نورانية الروح، نفخ من الله سجدت له الملائكة، قال تعالى: {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72)} [ص: 71- 72].

                                                                          إعداد: محمد سكرطاح

 



[1] -يحكى عن يحيى بن معاذ الرازي من قوله. المقاصد الحسنة في الأحاديث المشتهرة على الالسنة لشمس الدين السخاوي. ص 198.

[2] -مستفاد من كتاب جامع البيان في تفسير القرآن للطبري.

[3] -النفس البشرية في ضوء الكتاب والسنة. د. محمود فرح محمد سعدات.

سواء السبيل

سواء السبيل مدونة لتقديم المعلومة الدينية والثقافة الفقهية المالكية بطريقة سهلة ومبسطة وموثقة.

إرسال تعليق

Please Select Embedded Mode To Show The Comment System.*

أحدث أقدم

نموذج الاتصال