مقدمة:
على طول تاريخ الأمة الإسلامية والمسلمون يدينون لله بالكتاب والسنة بتفسيرات واجتهادات وأقوال وأفعال الصحابة والتابعين وتابعيهم من الأئمة الأعلام رغم الاختلاف الحاصل في تلك التفسيرات والاجتهادات والأقوال والأفعال كما سنبينه لاحقا إلى أن صرنا في آخر الزمن، فإذا فئة من المسلمين تتهم أكثرية الأمة الإسلامية بأنها خرجت ـ باتباعها هذه المذاهب الأربعة ـ عن طريق السلف الصالح أهل القرون الثلاثة، كأن أحكام الشريعة التي ورثها الأئمة الأربعة عن الصحابة والتابعين ـ ونظمها تلاميذ الأئمة الأربعة حسب منهاج كل منهم في الترجيح ـ شيء آخر غير ما ذهب إليه أولئك السلف الصالحون، وإذا هتاف شديد يرفعه اللامذهبيون: اتركوا المذاهب الأربعة واتبعوا مذهب السلف، فإن ترك مذهب السلف بدعة ضلالة.ومن ثم فإن دعاة اللامذهبية ينكرون المذاهب الفقهية والتقليد زاعمين أن التقليد لا يجوز في الدين، وأن على المسلم أن يطلب الحكم الشرعي الديني من الكتاب والسنة مباشرة.
اللامذهبية: الاسس والمبادئ:
في إطار الدفاع والتأسيس لحركتهم أو "لمذهبهم"- (هههه ينتقذون التمذهب ويؤسسون مذهبا)- قاموا بوضع مبادئ لتبرير ومشروعية فكرتهم منها:
أولا:
الاسلام هو التمسك بالكتاب والسنة بفهم سلف الامة وهو ما تركنا عليه الرسول صلى الله عليه وسلم.
ثانيا:
المذاهب تفرق الامة ونحن بالتمسك بالكتاب والسنة نتجنب الفرقة ونحقق الوحدة.
ثالثا:
لم يثبت اي دليل على ان الانسان يسال في قبره على المذاهب.
الرد على هذه المبادئ وبيان فسادها:
بالنظرة الاولى تبدو لك أن هذه المبادئ معقولة وهي الحق وهي الصواب ولكن بعد تمحيصها وبيان فسادها سيتضح لك الحق من الباطل، وهناك علماء تصدوا للرد على هذا المذهب آخرهم: الشيخ محمد رمضان البوطي رحمه الله في كتابه المسمى:" اللامذهبية أخطر بدعة تهدد الشريعة الاسلامية".
الرد على المبدأ الأول:
يقولون الاسلام هو التمسك بالكتاب والسنة بفهم سلف الامة والرسول لم يترك المذاهب وبالتالي فهي من البدع.
الجواب:
هل يأذن اللامذهبيون أن نقول لهم: على رسلكم: إن أصحاب المذاهب الأربعة: مالكاً وأبا حنيفة والشافعي وأحمد، هم من السلف الصالح، أهل القرون الثلاثة، التي أثنى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين سئل أي الناس خير؟ فقال: (قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم).
ولكن اللامذهبيين لا يرضون هذا الجواب، فيقولون: ليس اتباع السلف هو اتباع واحد منهم، بل هو اتباع جميع السلف.
فنقول كيف نتبع جميع السلف وهم نفسهم اختلفوا، فإذا اتبعنا واحدا خالفنا الآخر فيصبح بالضرورة احدنا متمذهبا ومبتدعا على فهمكم الأعوج الارعن.
لكن بعض اللامذهبين ينكرون علينا هذا القول، ويقولون: قد خالفتم السلف فيما أجمعوا عليه، ويعطوننا مثالا على ذلك فيوقولون:
فأنتم تصلّون عند القبور خلافاً لهم، وتدعون عندها، وتتوسلون بأصحابها، وتقرؤون القرآن لأصحابها.
والجواب على ذلك:
أن دعوى الإجماع هنا زعم لا مستند له، ويتضح ذلك من موقف بعض أئمة السلف في المسائل المذكورة:
1ـ الصلاة عند القبور: قال عنها الإمام مالك في مدونته (1/90): ”لا بأس بالصلاة في المقابر“ وهو من كبار أئمة السلف، وروى مسلم برقم (2493) عن عائشة&: ”أنها كانت تصلي في حجرتها“ وفيها ثلاثة قبور، وقال ابن تيمية في الفتاوى (21/304): ”المقبرة وأعطان الإبل تصح الصلاة فيهما على القول الصحيح“، فأين الإجماع؟!
1ـ الصلاة عند القبور: قال عنها الإمام مالك في مدونته (1/90): ”لا بأس بالصلاة في المقابر“ وهو من كبار أئمة السلف، وروى مسلم برقم (2493) عن عائشة&: ”أنها كانت تصلي في حجرتها“ وفيها ثلاثة قبور، وقال ابن تيمية في الفتاوى (21/304): ”المقبرة وأعطان الإبل تصح الصلاة فيهما على القول الصحيح“، فأين الإجماع؟!
2ـ الدعاء عند القبور سنة نبوية، كما روى مسلم عن بريدة برقم (975) وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم أن يقولوا إذا خرجوا إلى المقابر: (أسأل الله لنا ولكم العافية) وهو دعاء الزائر لنفسه ولغيره وللأموات، ونقل ابن تيمية في كتابه ”الرد على الإخنائي“ ص (405) دعاءً مطولاً في زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وفي جملة هذا الدعاء يقول ص(536) من الرد: ”وسل الله حاجتك متوسلاً إليه بنبيه تقض من الله عز وجل“ فأين الإجماع؟!
3 ـ وأما قراءة القرآن: فقال ابن تيمية في الفتاوى (24/315): ”وأما الصيام عنه، وصلاة التطوع عنه، وقراءة القرآن عنه، فهذا فيه قولان للعلماء: أحدهما: أنه ينتفع به، وهو مذهب أحمد وأبي حنيفة وغيرهما، وبعض أصحاب الشافعي وغيرهم“، وقال في (24/366): ”تنازعوا في وصول الأعمال البدنية كالصوم والصلاة والقراءة، والصواب أن الجميع يصل إليه“ فأين الإجماع؟!
الرد على المبدأ الثاني: المذاهب تفرق الامة:
يقول لنا اللامذهبيون: إن الخلافات المذهبية جعلت هذه الأمة أحزاباً، والله تعالى يقول: {إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء}[الأنعام/159]، ويقول: { ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينت وأولئك لهم عذاب عظيم }[آل عمران/105]، فترك المذاهب واجب حفاظاً على وحدة الأمة.
الجواب:
ونجيب عن ذلك فنقدم المعذرة إلى اللامذهبين عن قبول هذه المغالطة، فهاتان الآيتان وضعوهما في غير الموضع الذي أنزلتا فيه، فهاتان الآيتان في تفريق الدين، والاختلاف عليه بعد مجيء البينات، التي تقطع الخلاف، كما صرحت الآية الكريمة، وهذا شيء آخر غير الخلاف الاجتهادي، والدليل على ذلك أمران:
أولهما :
أن الخلافات الاجتهادية كانت موجودة في القرون الثلاثة التي ذكرناها سابقا، والتي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم).
فمن دعا الأمة إلى أن تكون كلها على القول الذي ترجح عنده، وزعم أن ذلك مذهب السلف، فهو مناقض لما كانوا عليه.
فصاحب هذه الدعوة يريد أن يحقق للأمة الوحدة في الخلافات الفقهية، ويحقق لهم ما عجز عنه السلف، ولم يهتموا به، ولم يسعوا إليه، وإذا كان السلف مع تمام علمهم وتقواهم قد اختلفوا في هذه المسائل، فهل يمكننا أن نتفق مع نقص العلم والتقوى، أم أن اختلافنا سيكون أشد؟ ترى أهذه دعوة تؤدي إلى الوحدة، أم إلى تمزيق الأمة وصراعها، لدرجة إراقة الدماء، كما هو واقع ومشاهد من آثار هذه الدعوة؟!
فصاحب هذه الدعوة يريد أن يحقق للأمة الوحدة في الخلافات الفقهية، ويحقق لهم ما عجز عنه السلف، ولم يهتموا به، ولم يسعوا إليه، وإذا كان السلف مع تمام علمهم وتقواهم قد اختلفوا في هذه المسائل، فهل يمكننا أن نتفق مع نقص العلم والتقوى، أم أن اختلافنا سيكون أشد؟ ترى أهذه دعوة تؤدي إلى الوحدة، أم إلى تمزيق الأمة وصراعها، لدرجة إراقة الدماء، كما هو واقع ومشاهد من آثار هذه الدعوة؟!
ثانيهما :
أن ابن تيمية سئل عن صلاة أهل المذاهب الأربعة خلف بعضهم؟ فقال في الفتاوى (23/374): ”نعم تجوز صلاة بعضهم خلف بعض، كما كان الصحابة، والتابعون لهم بإحسان، ومن بعدهم من الأئمة الأربعة يصلي بعضهم خلف بعض، مع تنازعهم في هذه المسائل المذكورة وغيرها، ولم يقل أحد من السلف إنه لا يصلي بعضهم خلف بعض، ومن أنكر ذلك فهو مبتدع ضال، مخالف للكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة وأئمتها، وقد كان الصحابة والتابعون ومن بعدهم منهم من يقرأ البسملة، ومنهم من لا يقرؤها... ومنهم من يقنت في الفجر، ومنهم من لا يقنت، ومنهم من يتوضأ من الحجامة والرعاف والقيء، ومنهم من لا يتوضأ، ومنهم من يتوضأ من مس الذكر ومس النساء بشهوة، ومنهم من لا يتوضأ... ومع هذا فكان بعضهم يصلي خلف بعض“، ... فمن زعم أنها بدعة فقد رد على قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر)، والله لا يأجر على البدعة، بل هي في النار، وصاحبها له عذاب عظيم، كما قال الله تعالى في الآية السابقة: { لهم عذاب عظيم }،.
فالآيتان في الخلاف المعاند للبينات، لا في الخلاف الناشيء عما يشتبه من الأحاديث والآيات، وكيفية فقهه، والفرق بين الأمرين عظيم جداً لا تقارب فيه، وبهذا يظهر أن الصلاة خلف المتوسلين برسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موته صحيحة؛ لأنهم اتبعوا في هذه المسألة إمام هدى، هو أحمد بن حنبل رحمه الله، سواء أخطأ في اجتهاده أو أصاب، والقائل بأن الصلاة خلفهم لا تصح مخالف لأئمة الهدى.
الرد على المبدأ الثالث: لم يثبت ان الانسان سيسال في قبره عن المذاهب:
نقول لهؤلاء ونرد عليهم بأن الله امر المسلم العادي الغير المجتهد بان يسال عن دينه فقال تعالى: "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون". وبسؤاله أهل الذكر الذين هم العلماء وأخذه عنهم يكون قد أخذ الفتوى على مذهب من افتاه، ثم إنه هو ليس من اهل الاجتهاد واهل التمحيص ليتعامل مع الكتاب والسنة مباشرة، وليست له الاهليه ليرجح بين أقوال العلماء المختلفة، وبالتالي فإن الله لن يساله عن المذاهب ولكن سيساله ويحاسبه ان لم يعمل بما افتي به، وباعتباره مقلدا أصبح اتباعه لذلك العالم الذي أفتاه واجبا.
وفي هذا يقول ابن قيم الجوزية في كتابه: إعلام الموقعين (2/138)) : ”أما من قلد فيما ينزل به عالماً يتفق له على علمه... فمعذور؛ لأنه قد أدى ما عليه، وأدى ما لزمه فيما نزل به لجهله، ولا بد له من تقليد عالم فيما جهله“، وحينئذ يكون متبعاً للكتاب والسنة بواسطة من قلده، ولا يستطيع غيره، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
يقول اللامذهبيون: انظروا في أدلة المختلفين، واتبعوا الدليل الأقوى. فنقول لهم: فلنفرض أنكم وازنتم بين الأدلة، واستطعتم أن ترجحوا الأقوى، هل الترجيح يعطي صاحبه الحق في تضليل مخالفيه وتبديعهم كما تفعلون؟! وهل يعطيه الحق في أن يحكم على كل الأئمة الذين خالفوه بأنهم فاتهم أن يطلعوا على الدليل، أو فاتهم أن يفقهوه، مع ما عرف عنهم من التبحر في العلم والتقوى، ومع ما نحن عليه من قلة الحظ منهما؟!
خلاصة:
يبدو ان الدعوة الى اللامذهبية تنطوي على قصور كبير في فهم الجانب المنهجي للشريعة الاسلامية، إذ المناهج في فهم نصوص الشرع وهي خلاصة فهوم الصحابة رضي الله عنهم، جمعها أعلام المذاهب في إطار قواعد صارت بعد ذلك أصولا للفقه والتفقه.
لكن الطامة الكبرى، والادهى والامر في كل ذلك، أن اللامذهبية تعلق بها اليوم جماعة من الناشئين من العوام ومن طلاب العلم فانتسبوا إليها وتعلقوا بأذيالها وهم يجهلون حقيقتها وصاروا هم أنفسهم مذهبا تحت مظلة اللامذهية او السلفية، ورغم ادعائهم محاربة الحزبية وجدوا انفسهم متبعين لاشخاص يوالون عليهم ويعادون عليهم فركبوا في فهم النصوص مطايا الجهل، وتبوؤوا منازل العلماء قبل الاوان، فكان ما يفسدون أكثر مما يصلحون.نطلب الله لنا ولهم الهداية الى سواء السبيل.
كتبه: محمد سكرطاح
