من بين الشبه المثارة حول الاسلام في قضية المرأة ان فيه حيف وإجحاف وظلم للمرأة في نظام الارث بدليل قوله تعالى:" للذكر مثل حظ الانثيين" إذ طلع علينا دعاة المساواة وحقوق المرأة بأفكار جديدة بغية تغيير نظام الارث بدعوى:
أولا:
أنه لم يعد الرّجل معيلًا وحيدًا للأسرة، ولم تعد المرأة "عالة" عليه، تنتظر ما يقدّمه الأب والأخ والزوج والابن، وتنتقل بين بيوتهم جميعًا إلى أن تموت. بل تعمل، وتقيم وحدها، أو مع أولادها نوع حالات الطّلاق أو الترمّل. أصبحت المرأة الآن أكثر من أي وقت بحاجة إلى كلّ الموارد المالية التي يمكنها الحصول عليها، لتعيش. فهل تبقى قسمتها هي نفسها في الميراث؟ ألا يمكننا تقديم قراءة أخرى للنصّ القرآني؟.
ثانيا:
إن هناك متغيّرات حتمية تفرض النّقاش حول الموضوع، متغيرات اجتماعية بين القرن الأوّل هجري والقرن الخامس عشر. إذ تعرّضت المرأة لظلمٍ كبير سابقًا، لكن بما أننا الآن نحن في عصر ندافع فيه عن المرأة، يجب تغيير منظومة القوانين المتعلّقة بالمرأة، وقانون الميراث من القوانين التي تلمسُ المرأة في الصميم.
ثالثا:
إن تغيّر البُنى الاجتماعية، وتغيّر أدوار الفاعل الاجتماعي يجعل من الواجب علينا تعديل منظومة الميراث بما يتوافق مع هذه المتغيّرات، ولذلك نقترح إعادة النّظر في مفهوم آية:" للذكر مثل حظ الانثيين" لتصبح "للأنثى مثل حظ الذكر".
مبدأ الدفاع عن حق المراة:
يقول الدكتور بنحمزة: "يحرص الداعون إلى بعض المشاريع الفكرية على استدماج إمكان الحصول على مكسب مالي، وعلى إقناع المستهدف بالخطاب بأنه ضحية ظلم اجتماعي وقع عليه فسلب بسببه حقوقا مالية يجب أن يستردها.
بمعنى: (ان هناك لوبيات في مصلحتها تحرير المرأة من كل قيد اجتماعي او أخلاقي او ديني وهي تربح من ذلك أموالا طائلة فسخرت لذلك خطابات وأفكار وأشخاص وجمعيات تصور للمرأة أنها ضحية ظلم اجتماعي سلب منها حقها فعليها ان تسترده.)
وكثيرا ما أعمل هذا المبدأ في التعامل مع قضايا المرأة، على الرغم من أن المرأة قد تعرضت فعلا إلى ظلم اجتماعي مس آدميتها وكرامتها حينما وظفت أنوثتها وسوقت بها كل البضاعات الراكدة، وأمعنت بعض القوانين في مساومتها على اختياراتها من أجل الحصول على حق مشروع، وتدخل الرجال في لباسها، وجعلوا نوعا منه يرتضونه شرطا لازما لولوج بعض المواقع المهنية، وجعلوا قوامها ولونها وابتسامتها المفتعلة رغم ما قد يسكن قلبها من حزن عميق شرطا أساسا في تشغيلها في أعمال لا تعتمد على كفاءتها الفكرية أو قدرتها العلمية، وإنما تعتمد أساسا على أنوثتها وخصائصها الفزيولوجية. وقد كان المفترض أن تكون هذه المظالم هي موضوعَ الدفاع عن المرأة لأنها تمس كينونتها وكرامتها.
زعم ظلم الشريعة للمراة:
لكن البعض صور للمرأة أن ظلمها جاء من أحكام الشريعة، وأن من سطا على حقها هم أقرب الناس إليها، زوجها الذي يمتنع عن منحها نصف ثروته إن هو طلقها من نفسه أو دعته هي باختيارها ورضاها إلى التطليق، وأخوها الذي يرث ضعف ما ترث، وبهذا تسرب التآكل والصراع إلى العلاقات الأسرية، وسعى إلى أن يلغي علاقاتها التراحمية، ومن ثم وجب تقويم حقيقة الدعوة إلى تسوية المرأة بالرجل في الإرث.
الرد والتحليل:
الحقائق المغيبة:
الحقيقة الاولى:
إن توزيع الحقوق في النظام الإسلامي له صلة وثيقة بالوظائف التي ناطها الإسلام بالأفراد وألزمهم بها ضمن نظام اجتماعي عام، لا علاقة له البتة بقضية الكرامة أو الإهانة، فإذا منح الإسلام فردا غير ما منح غيره، فإن ذلك لا يعني أن الله أكرمه أو أن الشريعة انحازت إليه، وإنما هو زيادة تكليف لمقصد وحكمة، فتفضيل الرجل على المرأة في الإرث في الحالات القليلة المعروفة يقابله جملة تكاليف كلف بها الرجل منها: الإنفاق على الزوجة وعلى الأبناء القاصرين، وتحمل ما يترتب عليهم من الحقوق المالية بسبب اعتدائهم أو إلحاقهم الضرر بالآخرين مما يوجب الضمان في قيم المتلفات والتعويض عن الأضرار، ومنها الإنفاق على الأبوين الفقيرين، وتكفله بإخوته الأيتام القاصرين، وحتى في حال الطلاق فإنه يكون ملزما بنفقات متعددة يؤديها لصالح الابناء والزوجة، في حين تبقى الزوجة محمية من هذه النفقات حسب الشريعة الاسلامية.
وذلك حتى لا يقول لنا احد ان الواقع شيء والشريعة شيء، فنقول لهم: انكم حين ترفعون شعاراتكم ترفعونها ضد الاسلام وظلمه للمراة ونحن نبين لكم حكم الاسلام فاقبلوه اذن وإلا وجهوا سهام نقدكم للواقع وليس للاسلام.
على أن التعليل بالإنفاق ليس هو التعليل الأوحد لمنح الرجل أكثر مما تأخذه المرأة في الإرث في الأحوال الخاصة، إذ هناك تعليلات أخرى لا يتسع هذا المقال لذكرها.
الحقيقة الثانية:
تتلخص في أن توهم التفاضل بين المرأة والرجل في الإرث على أنه قاعدة مطردة في جميع الاحوال، هو تصور خاطئ في إدراك نظام الإرث في الإسلام، أو هو إيهام مقصود بتلك الأفضلية المطلقة لتأسيس تصور غير صحيح عن مظلومية المرأة في الإسلام، ذلك بأن الحالات التي يرث فيها الذكر ضعف ما ترثه المرأة في مستواه لا تمثل إلا نسبة 16.33 من مجموع حالات الإرث، ولا صحة مطلقا لكون الذكر يرث ضعف ما ترثه الأنثى دائما.
والرؤية العلمية الكاملة والمحيطة بكل جوانب إرث المرأة لا تتأتى من خلال الوقوف في زاوية ضيقة عند صورة جزئية، هي صورة مقابلة امرأة بنظيرها في حالات إرثية محدودة، وإنما يجب موضوعيا ومن باب الأمانة العلمية توسيع مجال الرؤية واستحضار مجموع أحوال إرث النساء ضمن شبكة الإرث، وحينذاك يكون لنا الحق في النقد والانتقاد.
الحقيقة الثالثة:
الحقيقة الرابعة:
الحقيقة الخامسة:
إن استناد دعاة تسوية المرأة بالرجل في الإرث إلى ما أقره دستور سنة 2011 من جعل المساواة بين الرجل والمرأة مبدأ دستوريا.
يفرض علينا منهجيا الرجوع إلى نص الدستور ذاته وقراءته قراءة محايدة وغير مجتزأة حتى يتبين الخيط الابيض من الخيط الاسود في المسألة.
جاء في الفصل 19 من الباب الثاني المتعلق بالحريات والحقوق الأساسية: أنه يتمتع الرجل والمرأة على قدم المساواة بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية الواردة في هذا الباب من الدستور، وفي مقتضياته الأخرى، وكذا الاتفاقيات والمواثيق الدولية كما صادق عليها المغرب: وكل ذلك في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها.
ويعرف الفصل الأول من الباب الأول من الدستور المراد بالثوابت فيقول:
"تستند الأمة في حياتها العامة على ثوابت جامعة تتمثل في الدين الإسلامي السمح والوحدة الوطنية متعددة الروافد والملكية الدستورية والاختيار الديمقراطي".
ومن خلال هذا النص والذي قبله، يتبين أن تطبيق المساواة مرجوع فيه إلى الإسلام أولا، باعتباره أول وأقوى ثوابت الأمة، وهذا يلزم بأن تراعى أحكام الشريعة في تحقيق المساواة، ومن غير هذا، فإن إغفال الجانب الشرعي من إقرار المساواة سيكون انتهاكا صريحا لنص الدستور وإخلالا واضحا بمقتضياته.
خلاصة:
قبل أن يتحدث المعاصرون عن المساواة، كان عليهم ان ينظروا الى الارث في الاسلام كمنظومة اجتماعية وليس كجزئية لان الحكم عن الشيء فرع عن تصوره، ولأن المساواة قد تضرُّ بالمرأة في أكثر الأحيان؛ عدل الإسلام، بل أحسن حينما ميَّزها إيجابيًّا في قضايا الميراث الذي حال الجهلُ المركَّبُ بأحكامه دون فقهها وفهمها.
وشعار المساواة الذي ينادى به في قضايا المرأة ليس بريئًا ولا عادلًا في كثير من الأحيان؛ إذ لو كان كذلك لتم النداء بالمساواة بشكل شمولي يغطي قضايا النفقة، والمتعة والصداق وفي الحضانة، وشروط وظروف العمل، والعقوبة الزجرية الحبسية عند عدم تحمل هاته المسؤوليات فلماذا يتحمل الرجل وحده أعباء كل ما ذكر، ولما لم يكن ذلك كذلك، بطَلت الدعوى، واتضح الصبح لذي عينين، وبطلت شبه المغرضين وهدانا الله الى سواء السبيل.
