للتوضيح: هل صحيح انه لن يفلح قوم ولوا امرهم امرأة؟
- حديث رسول الله (لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً).. هل يمنع من تولي المرأة المناصب السيادية في الدول؟
- ما أسباب وسياقات ورود الحديث النبوي الشريف؟
وردت تساؤلات تتهكم على ما جاء في الخطاب القرآني والحديث النبوي حول أهلية المرأة في الحكم ومساهمتها ككائن اجتماعي له دوره وكيانه وأداءه الذي ينافس الرجال ويتفوق عليهم أحياناً، فنراهم أصدروا صورة للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وكتبوا تحتها ب- استهزاء وتهكم - الحديث النبوي الشريف: (ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة).
وهم وضعوا احتمالات يُكذبون الحديث الذي رواه البخاري وغيره من رواة السند، ويخيرون بين صدقيته واختيارات الشعب الألماني الذين أعادوا انتخاب ميركل عدة دورات وزارية، فهؤلاء المتهكمون عدّوا ألمانيا دولة فاشلة ومقام ميركل هو مقام لا يبلغه إلا الرجال فقط. ولعل كلامنا في هذه المسألة الجدلية؛ أيّ دور المرأة جاء في كتابنا "البرلمان في الدولة الحديثة المسلمة" (في المبحث الثامن، ص 217) في ردنا على المانعين للمرأة في أقوالهم من دخول البرلمان والانتخابات.
وأما الحديث في نصه: عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: ( لَقَدْ نَفَعَنِي اللَّهُ بِكَلِمَةٍ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَّامَ الْجَمَلِ بَعْدَ مَا كِدْتُ أَنْ أَلْحَقَ بِأَصْحَابِ الْجَمَلِ فَأُقَاتِلَ مَعَهُمْ. قَال: لَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ أَهْلَ فَارِسَ قَدْ مَلَّكُوا عَلَيْهِمْ بِنْتَ كِسْرَى قَالَ: لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً). رواه البخاري (4425)، ورواه النسائي في "السنن" (8/227) وبوب عليه النسائي بقوله: "النهي عن استعمال النساء في الحكم " انتهى.
فالحديث النبوي الشريف أعلاه ورد في مناسبة تاريخية مُعينة أبلغ فيها الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه بأن الفرس كانوا يعيشون حالة من الانهيار السياسي والانحلال الأخلاقي تحكمهم ملكية استبدادية كسروية فاسدة وتسود بلادهم صراعات على السلطة، بلغت بهم حد الاقتتال، وقد أسندوا أمر قيادتهم إلى ابنة كسرى، وذلك تعلقاً من الفرس بأوهام وثنية سياسية لا علاقة لها بشورى ولا رأي جماعي، فكان الحديث وصفاً لحالة الفرس المتردية وقراءة بصيرة في سنن قيام الدول وانحلالها، فهذا إخبار عن حال وليس تشريعاً عاماً، وهذا ما يدل عليه فقه الحديث الشريف.
وفهم سبب ورود الحديث أمر مهم في فهم النص ولا يُؤخذ عموم النص قاعدة مُسَلمة لأنه لو أخذ على عمومه لعارض ظاهر القرآن، فقد قص القرآن قصة امرأة قادت قومها أفضل ما تكون القيادة وحَكمتهم أحكم ما يكون الحُكم. وتصرفت بحكمةٍ ورشد أحسن ما يكون التصرف، ونجوا بحكم رأيها من التورط بمعركة خاسرة يهلك بها الرجال وتذهب الأموال ولا يجنون من ورائها شيئاً، وكان حكمها أساسه التنظيم والشورى.
تلك المرأة هي بلقيس ملكة سبأ التي ذكرها الله تعالى في سورة النمل: *{قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون قالوا نحن أولو قوة وأولو بأس شديد والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون}* النمل 32.
ومع هذا فُوض إليها الأمر من قبل الرجال في قوله تعالى: *{قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ}* النمل 33.
إن الله تعالى ذكر قصة ملكة سبأ في سورة النمل مع النبي سليمان وانتهى بها المطاف إلى أن قالت: *{رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين}*. النمل 44.
وهي بذلك قادت قومها إلى خيري الدنيا والآخرة، كما يؤكد صرف الحديث عن العموم.
إذن، فالواقع الذي نعيشه في عالم اليوم هو أن كثيرا من النساء هُنَّ لأوطانهن خير من كثير من الرجال، بعض هؤلاء النساء لهن أرجح في ميزان الكفاية والمقدرة السياسية والإدارية من كثير حكام العرب والمسلمين وبني الإنسان في وقتنا الحاضر.
وإن المجتمعات المعاصرة في ظل النظم الحديثة، حين تتولى المرأة منصباً عاماً كالوزارة أو الإدارة أو النيابة أو نحو ذلك، فلا يعني ذلك أنه ولاها أمرها بالفعل وقلدها المسؤولية عنها كاملة. فالواقع المشاهد أن المسؤولية جماعية والولاية مشتركة تقوم بأعبائها مجموعة من المؤسسات والأجهزة، والمرأة إنما تحمل جزءاً من المسؤولية مع من يحملها، لهذا نعلم أن حكم المستشارة الألمانية ميركل أو رئيسة الوراء البريطانية تيريزا ماي أو غيرهن من الحاكمات والمسؤولات في العالم عند التحقيق والتأمل ليس حكم امرأة في شعب بل حكم مؤسسات دولة وتنظيم محكم، وإن كانت في رأس الهرم امرأة. وإن الذي يحكم في هذه الدولة هي المؤسسات المتكاملة مثل مجلس الوزراء والبرلمان وليس المستشارة الألمانية التي تأمر ولا يعصى لها أمر ولا يرد لها كلام، فهي إنما تترأس حزباً معارضاً تعارضه أحزاب أخرى، وقد تشارك في انتخابات قادمة تسقط فيها بحدارة كما حدث لأنديرا غاندي في الهند. فالمرشحة أياً كانت إذا عارضها الأغلبية غدا رأيها كرأي أي إنسان في عرض الشارع لا يؤثر كلامه وحده على القرار العام للسلطة والمجتمع.
د. علي الصلابي.
- مراجع:
1. ابن حجر العسقلاني، فتح الباري، دار المعرفة، بيروت.
2. علي محمد الصلابي، البرلمان في الدولة الحديثة المسلمة، 217 وما بعدها.
3. فهد بن صالح العجلان، الانتخابات؛ أحكام وضوابط، ص 49، 57 - 60.
4. في الفقه السياسي الإسلامي، دار الأوائل، دمشق، 122 – 125.
5. يوسف القرضاوي، من فقه الدولة في الإسلام، ص 162 – 165، 174.
