سائل يسأل:
السلام عليكم سؤال حول الزكاة: سألت بائع الذهب عن القيمة المالية للغرام الواحد من الذهب من أجل معرفة النصاب في المال, فوجدت أن الذهب نوعان: الذهب القديم، والذهب الجديد؛ فعلى أي قيمة أبني مع العلم أن قيمة الغرام الواحد من الذهب الجديد مرتفعة عن القديم, نفس الأمر عندما سألته عن قيمة الغرام من الفضة وجدتها 3 أو4 أنواع؛ هل نعتمد متوسطها أم ماذا؟ ثم ما هو المشهور والمعتمد عند المالكية في معرفة النصاب في المال؛ هل قيمة الذهب أم قيمة الفضة وشكرا.
فأجبت عنه بما يلي:
خلاصة الجواب:
ذهب أكثرية الباحثين المعاصرين إلى تقدير نصاب الزكاة في النقود المتداولة اعتمادا على الفضة أي: أن النصاب هو ما بلغ قيمة(595غ) من الفضة؛ وهذا الرأي يبدو لي أرجح من غيره.
أما تحديد ثمن الذهب والفضة فيرجع فيه إلى قدره في البورصات العالمية وليس إلى ما عليه الثمن في المحلات التجارية بالتقسيط... والله أعلم وأحكم.
الجواب مفصلا:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
وبعد؛ فإن القاعدة في تحديد النصاب والله أعلم: أن نقارن بين أثمنة الفضة بأنواعها والذهب بأشكاله كذلك، ثم نأخذ بالأقل ثمنا منها فضة أو ذهبا؛ ومن المعلوم في هذا العصر أن الفضة أقل ثمنا، فيستخرج منها النصاب احتياطا؛ وبذلك يكون أكبر عدد ممكن من الناس قد أدى زكاة ماله تبرئة للذمة، وهذا أولى من الدخول في متاهات الخلاف المتشعب في تحديد النصاب الذي يثير جدلا كل سنة...
وفي مثل هذا جاء الحديث الشريف: «إن الحلال بينٌ وإن الحرام بينٌ وبينهما مشتبهاتٌ لا يعلمهن كثيرٌ من الناس فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه...».
ثم كذلك القاعدة: "من شك في ركن بنى على اليقين"، واليقين الذي لا شك فيه هنا هو الأخذ بالأقل...
ثم إن المسلم يجب عليه أن يذعن للنص الذي يتناول حالته وهو هنا الأقل ثمنا؛ فمن اعتبر النصاب بالذهب فقد عطل النصوص الصحيحة الواردة في الفضة وهي الأصح من نصوص الذهب كما سنرى، وهي كذلك اليوم الأقل ثمنا...
وهذا ما رجحه الفقيه سيدي اليزيد الراضي رئيس المجلس العلمي بتارودانت؛ جاء في كتابه "زكاة رواتب الموظفين وكسب أصحاب المهن الحرة" (ص:13) ما يلي:
"ذهب أكثرية الباحثين المعاصرين إلى تقدير نصاب الزكاة في النقود المتداولة اعتمادا على الفضة أي: أن النصاب هو ما بلغ قيمة(595غ) من الفضة؛ وهذا الرأي يبدو لي أرجح من غيره لما يلي:
لأن النصوص الشرعية التي تحدد نصاب الفضة بخمس أواق أو مائتي درهم، أكثر وأصح، أما النصوص التي تحدد نصاب الذهب بعشرين مثقالا أو عشرين دينارا فهي قليلة، وفوق قلتها لم تسلم أسانيدها من مقال.
قال ابن عبد البر: "لم يثبت عن النبيﷺ في الذهب شيء من جهة نقل الآحاد الثقات"(1). وقال النووي: "ولم يأت في الصحيح بيان نصاب الذهب وقد جاء فيه أحاديث بتحديد نصابه بعشرين مثقالا وهي ضعاف"(2). وقال ابن تيمية متحدثا عن ترتيب مالك لأحاديث الزكاة في الموطأ: "افتتح مالك −رحمه الله− كتاب الزكاة في موطئه بذكر حديث أبى سعيد لأنه أصح ما روى في الباب، وكذلك فعل مسلم في صحيحه، وفيه ذكر نصاب الورق، ونصاب الإبل، ونصاب الحب والثمر، ثم الماشية والعين...، ثم ذكر نصاب الذهب، والحجة فيه أضعف من الورق، فلهذا أخره"(3).
ولا شك أن ما سلمت أسانيده من مقال، وبلغ أعلى درجات الصحة، يقدم -عند التعارض والترجيح- على ما لم تسلم أسانيده.
ولأن التقويم بالفضة يمكن المزكي من الاحتياط لدينه، لأن من ملك مائتي درهم شرعية -أو ما يعادلها من النقود- اعتبره الشرع غنيا وأوجب عليه الزكاة، وإذا أعفيناه نحن من الزكاة بدعوى أنه لم يبلغ النصاب على أساس قيمة الذهب، نتناقض مع النصوص الصحيحة الصريحة التي حددت نصاب الفضة، ونجازف ونغامر ونلعب بالنار". انتهى كلام الشيخ ذ. اليزيد الراضي حفظه الله.
وبهذا أفتي العلامة الفقيه محمد التاويل رحمه الله فقال: "لابد من تقويم الأوراق النقدية المتعامل بها لمعرفة النصاب فيها وهو ما اجمع عليه القائلون بزكاتها إلا أنهم اختلفوا فيما تقوم به هل تقوم بالذهب أو بالفضة او بغيرها؟
الاتجاه الأول وهو الحق والصواب أن تقوم بالفضة وهو وزن 624 غرام على الخلاف في مقدار الدرهم هل هو وزن 3.12غرام أو 2.975 غرام؟ فان ملك الإنسان من الأوراق النقدية ما يساوي نصاب الفضة وجبت عليه زكاته وإن لم يبلغ نصاب الذهب الذي هو 85 غراما". ذكره تلميذه امحمد العمراوي في كتابه "المبين عن أدله المرشد المعين" الذي قدم له د. محمد التاويل رحمه الله و د. فريد الانصاري رحمهما الله؛ ص: 275.
أما تحديد ثمن الذهب والفضة فيرجع فيه إلى قدره في البورصات العالمية وليس إلى ما عليه الثمن في المحلات التجارية بالتقسيط... والله أعلم وأحكم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش:
(1)ـ سبل السلام 2/129.
(2)ـ إحكام الأحكام لابن دقيق العيد 2/186.
(3)ـ فتاوي ابن تيمية: (ج 25 ـ ص 9).
بعد صلاة الظهر يوم الأربعاء
02 محرم 1435هـ 7 / 11 / 2013م
مدرسة الإمام البخاري للتعليم العتيق أكادير
